الأوقاف تصدر ٣ كتب يتصدرها حماية الكنائس فى الإسلام بـ١٣ لغة أجنبية

الدكتور محمد مختار جمعة
الدكتور محمد مختار جمعة

حماية دور العبادة فريضة دينية تعلمها المسلم من قرآنه وسنة نبيه القولية والفعلية وتطبيقات الخلفاء الراشدين وعلى مدى تاريخ طويل من الحضارة الإسلامية كانت للأديان الأخرى الحماية اللازمة لقيام اتباعها بشعائرهم،ولدور عبادتهم بناء وعمارة، وكتاب «حماية الكنائس فى الاسلام» الذى أصدرته وزارة الأوقاف ضمن مشروعها الفكرى والدعوى جاء ردا على ما يروجه أعداء الدين من افتراءات يراد بها صناعة الفتن بين أبناء الوطن الواحد،كما جاء الكتاب فى إطار تفكيك الفكر المتطرف الذى بدا للبعض فى بعض الفترات كأنه الصواب.

وهو أمر كان قد رُتّب بليل لتأكل هذه الأمة بعضها البعض من داخلها دون حاجة لاعدائها إلى حربها حربا مسلحة وأحيانًا ليتيسر لأعدائها والتدخل بدعوى محاربة الإرهاب ومن يقرأ كتاب «من الذى دفع للزمار» يقف على كيفية تقويض الأمة من داخلها دون إطلاق رصاصة واحدة ومن يقرأ كتاب «لعبة الشيطان» يدرك الجهد الذى يبذله أعداؤنا لصناعة الفتن بعلم وتخطيط ودراسة ومراكز بحث ينفق عليها الكثير، حتى يبدو الصواب خطأ والخطأ صوابًا.

لأهمية الكتاب فقد حرصت الأوقاف أن يشارك فيه بالتقديم والبحث الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية.

اقرأ أيضاً| «المنيا» ضمن أفضل 200 جامعة عالميًا

يقول الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف:..إيمانًا منا بضرورة تجديد الخطاب الدينى، ودراسة المستجدات والقضايا العصرية دراسة دقيقة، وإبراز الوجه الحضارى السمح لديننا الحنيف، واقتحام المشكلات الصعبة بحكمة وشجاعة معًا على أيدى العلماء والفقهاء المتخصصين.



وترسيخًا لأسس المواطنة العصرية الكاملة دون تمييز، وتأصيلاً لفقه العيش الإنسانى المشترك بين البشر دون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة..

وانطلاقًا من قوله تعالى: «لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» (البقرة:255)، وإيمانًّا منًّا بالتنوع والاختلاف الذى هو سنة من سنن الله الكونية، حيث يقول سبحانه وتعالى: « وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ» (هود 17-118).

وخروجًا من ضيق الأفق الفكرى إلى رحابة الإسلام الواسعة واحترامه للآخر، وحرصًا منًّا على إبراز حقوق الآخرين علينا إنصافًا من أنفسنا، وتأصيلاً لمبدأ الاحترام المتبادل، ودحضًا للفكر المتطرف، والتأكيد للعالم كله على سماحة الإسلام، وأن ما يصيبه من محاولات تشويه لا يمت لسماحته بصلة.

لهذا كله كان إصدار هذا الكتاب «حماية الكنائس فى الإسلام» الذى عكف على إعداده وإخراجه نخبة من العلماء المتخصصين المستنيرين كتابة ومراجعة ختمت بمراجعة فضيلة أ.د شوقى علام مفتى الجمهورية ومراجعتنا، فى إطار تناول عدد كبير من القضايا العصرية تصدر تباعًا فى ضوء سلسة وموسوعة المستجدات وتصحيح المفاهيم الخاطئة، التى يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، سائلين الله السداد والقبول والتوفيق، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

 ومما جاء فى مقدمة الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورى:»..تحفظ الشريعة الإسلامية للإنسان إنسانيته وكرامته بل إن مقاصدها جميعها تدور حول الحفاظ على الإنسان من غير تمييز بين أفراده، فتحفظ نفسه ودمه وماله وعقله وعرضه وكرامته فى تناغم كامل مع الفطرة السوية التى تنادى بحفظ حقوق الإنسان وصيانة كرامته، ومن ذلك الحق فى التعبد بما يقتنع المرء به من المذاهب والأديان مع كامل مسئوليته أمام الله وحده عن اختياراته ؛ فلا إكراه على معتقد كما تقرر ذلك فى القرآن: « لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي» (البقرة: 256). ولذا كانت حماية أهل الأديان السماوية ودور عبادتهم من مقاصد العمران الإسلامى، حيث قال تعالى: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز» (الحج:40)، فالناس فى اختلافهم الدينى والعرقى مجال كبير لاكتمال العمران فى الدنيا.

وقد عاش المسلمون أزمنة ممتدة فى أوساط مختلفة وحضارات متعددة وذلك منذ عصر الرسالة الأول، فالسيرة النبوية تقدم نماذج أربعة من التعايش مع أنظمة مختلفة الأول كان معاديا للمسلمين، كافح فيه المسلمون لنيل حقهم فى حرية التعبد، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى العيش السوى المشترك فى مظهر من مظاهر الاندماج الإيجابى فى وسط مجتمع مختلف معهم فى المعتقد إبان هجرتهم إلى الحبشة، فشاركوا فى تنمية مجتمعهم وتسامحوا مع طريقة تعبد المخالفين لهم حتى إذا انتقلوا إلى المدينة المنورة قاموا بالدفاع عن حق الناس فى التعبد على ما يؤمنون ويعتقدون من أهل الأديان المختلفة، فى شواهد متكاثرة وأمثلة عديدة حتى أقرَّ النبى (صلى الله عليه وسلم) فى عام الوفود وفد نصارى نجران على الصلاة فى مسجده الشريف.

والمسجد هنا هو بيت الله المختص بالمسلمين، فما بالك بكنائسهم التى يؤدون فيها عباداتهم وشعائرهم التى أقرهم المسلمون على البقاء عليها إذا احتاجوا لذلك، إذًا كانت المحافظة عليها وحماية حقهم فى التعبد بها أكبر وأعظم.

المسلمون يبنون الكنائس

وقد أحسن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) بامتناعه أن ينزع من نصارى بيت المقدس كنائسهم وأن يحافظ لهم عليها ويوثق عهده لهم فيما أصبح يشتهر باسم العهدة العمرية، وعلى ذلك جرى عمل المسلمين عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة، منذ العصور الأولى حتى أَنَّ عالمى الديار المصرية الإمام والمحدث والفقيه الليث بن سعد، والإمام قاضى مصر عبد الله بن لهيعة أكدا أن كنائس مصر لم تُبْنَ إلا فى الإسلام، وأن والى مصر فى زمن هارون الرشيد، موسى بن عيسى أمر بإعادة بناء الكنائس التى هدمها مَن كان قبله وجعل ذلك مِن عمارة البلاد، وكانا أعلم أهل مصر فى زمنهما بلا مدافعة».

فى بحثه يحرص الدكتور سالم أبو عاصى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر على تسجيل حقيقتين اولاهما: الحقيقة الأولى: لم يتم استغلال الدين فى أى شريعة من الشرائع لمآرب سياسية إلا عاد ذلك بالوبال على بنى الإنسان وعلى العلاقات بينهم وبين مواطنيهم من أصحاب الشرائع الأخرى.

والحقيقة الثانية: من المبادئ الأصيلة فى شريعتنا الإسلامية الغراء أن الإنسان حرّ حرية تامة فى اعتناق الشريعة التى يرضاها والإيمان بالكتاب السماوى الذى يحمل معالم تلك الشريعة والرسول الذى جاء بذلك الكتاب، وحساب الجميع على الله وحده لا شريك له، إلا المسلم فإنه مطالب بالإيمان بالله وملائكته وجميع الكتب السماوية وجميع المرسلين دون تمييز فى الإيمان أو تفرقة بين أحدٍ منهم، وفى الدلالة على ذلك نقرأ قول الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }. والآية بصيغتها فى قوة الناموس الحاكم، ويكون المعنى أن من النواميس التى تكفل استمرار الحياة آمنة مستقرة متوازنة لا توتر فيها ولا قلق ولا اضطراب ولا خوف ولا هلع ولا فزع عدم الإكراه على اعتناق فكر أو دين

أدلة الشرع والتاريخ

 ثم يستعرض الدكتور سالم أدلة الشرع الشريف على حماية الكنائس كواجب على المسلم يأثم إن تركه. فيذكر من السنة النبوية أن النبى (صلى الله عليه وسلم) صالح أهل نجران وكتب لهم كتابًا. جاء فيه

«بسم الله الرحمن الرحيم... هذا ما كتب محمد النبى رسول الله لأهل نجران إذ كان له حكمه عليهم.. ولنجران وحاشيتها ذمة الله وذمة (حماية ورعاية)رسوله على ديارهم وأموالهم وملتهم وثلتهم وبيعهم ورهباناتهم وأساقفتهم وشاهدهم وغائبهم وعلى ألّا يغيروا أسقفًا من سقيفاه ولا واقفًا من وقيفاه ولا راهبًا من رهبانته، وعلى ألا يحشروا ولا يعشَّروا».

وفى عهد (اتفاقية) عمر بن الخطاب مع أهل إيلياء القدس نصّ على حريتهم الدينية وحرمة معابدهم وشعائرهم فقال: « هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملتها، لا تسكن كنائسهم ولا تهدَّم ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبها، ولا من شيءٍ من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود».

بل لما استجاب عمر لرغبة أهل إيلياء ودخل القدس وكتب كتاب الصلح هذا، أقبل إلى الأتربة والأوساخ المتراكمة فوق الصخرة يزيحها بردائه، فأقبل من حوله من المسلمين وغيرهم يسابقونه إلى ذلك... ثم اتجه إلى حيث القمامة المتراكمة بفعل اليهود وبوحى من الرومان فوق مكان كنيسة القيامة فباشر إزاحة القمامة عنها بنفسه، وما هو إلا أن أقبل كل من كانوا حوله يسابقونه على العمل ذاته».

وعلى ذلك فمن واجب ولى الأمر أن يأمر بحماية الكنائس وبعدم الاعتداء عليها بناءً على فقه السياسة الشرعية الذى يقوم على رعاية مقصد الشرع، ومصلحة الخلق، ويوازن بين المصالح بعضها وبعض، والمفاسد بعضها وبعض، والمصالح والمفاسد إذا تعارضت.

 فتاوى لا أصل لها

أما الدكتور عبد الله النجار عميد كلية الدراسات العليا الأسبق بجامعة الأزهر فبعد أن يتتبع الوصايا النبوية بأهل الأديان الأخرى وحماية دور عبادتهم وكذلك العهود والاتفاقات

 ومنها وما جاء فى التعهد الذى كتبه عمرو بن العاص (رضى الله عنه) لأهل مصر وقد جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصليبهم وبرهم وبحرهم، لا ينقص عليهم شيء من ذلك، ولا ينتقض، وعلى هذا العهد كتاب الله وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين.

أقول بعد أن يتتبع هذه النصوص يلفت النظر إلى نصوص فقهيه خالفت ذلك مفسرا سياقها فيقول: إن ما ورد من النصوص مخالفًا لتلك الأدلة الواضحة والمبادئ المقررة فهو محمول على فقه النزاعات المسلحة التى تستعر فيها المواجهة بين فريقين، أى أنها فتاوى كانت فى زمن حرب وقد انقضى وقت تلك المواجهات، وأصبحت العلاقة بين المسلمين وغيرهم محكومة بالمعاهدات الدولية، التى تمنع التعدى من قِبل أى طرف على الآخر، وتؤكد على حق كل إنسان فى الحياة المتساوية مع غيره داخل الأوطان وخارجها، فضلا عن تميز العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر منذ قديم الزمان وما اتسمت به من محبة وسلام، وتعاون على رخاء وحماية الأوطان.

إن الفتاوى الشاردة من أتباع داعشَ وغيرهم ممن يعملون لصالح جهات معينة وممن اتخذوا آيات الله هزوا وسخَّروا أحكام دينه لخدمة أهوائهم المريضة، إنما هى أفكار منحرفة لا تمت إلى جوهر الدين بصلة ولا تنتمى إلى أحكامه بنسب صحيح أو فهم مستقيم، ومن ثم لا يجوز الركون إلى ما توَّهموه من وجوب هدم الكنائس لعدم صحته ومخالفته لمبادئ الدين وأدلته، ويكون القول بوجوب حماية كنائس غير المسلمين من الهدم أو التخريب هو الذى يتفق مع صحيح وأدلة أحكام الشريعة.

والكتاب ثرى بالنصوص والأحداث والأدلة العقلية والتاريخية على أن حماية الكنائس مسئولية للمسلم مثلما هى مسئولية غير المسلم ومسئولية الدولة مثلما هى مسئولية الشعوب، لكن صناعة الفتن بين الشعوب والتى تمارسها دول كبرى من شأنها أن تروج لفكر لفتاوى شاذة بين حين وآخر لكنها لا تصمد أمام نصوص. القرآن الكريم الجلية وصبايا النبى صلوات الله وسلامه عليه وسلوك ومعادات الحكام المسلمين فضلا عن الواقع التاريخي.